فصل: فصل: (جناية العبد بإذن سيده)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ جناية الرهن والجناية عليه

إذا جنى الرهن على أجنبي تعلق حق المجني عليه برقبته وقدم على المرتهن لأنه يقدم على المالك فأولى أن يقدم على المرتهن فإن سقط حق المجني عليه بعفو أو فداء بقي حق المرتهن لأنه لم يبطل دائما وإنما قدم حق المجني عليه لقوته فإذا زال ظهر حق المرتهن وإن كان الحق قصاصا في النفس اقتص منه وبطل الرهن وإن كان في الطرف اقتص له الرهن في باقيه وإن كان مالا أو قصاصا فعفى عنه إلى مال فأمكن إيفاء حقه ببيع بعضه بيع منه بقدر ما يقضي به حقه وباقيه رهن وإن لم يمكن إلا ببيع جميعه بيع فإن استغرق ثمنه بطل الرهن وإن فضل منه شيء تعلق به حق المرتهن وإن كان أرش الجناية عليه أكثر من ثمنه فطلب المجني عليه تسليمه للبيع وأراد الراهن فداءه فله ذلك لأن حق المجني عليه في قيمته لا في عينه ويفديه بأقل الأمرين من قيمته أو أرش جنايته في أحد الوجهين لأن ما يدفعه عوض عنه فلم يلزمه أكثر من قيمته وفي الآخر يلزمه أرش الجناية كلها أو تسليمه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته وفي الآخر يلزمه أرش الجناية كلها أو تسليمه لأنه ربما رغب فيه راغب فاشتراه بأكثر من قيمته فينتفع به المجني عليه وإن أبى الراهن فداءه فللمرتهن فداؤه بمثل ما يفديه به الراهن وحكمه في الرجوع بذلك حكم ما يقضي به دينه فإن شرط جعله رهنا بالفداء مع الدين الأول لم يصح لأنه رهن فلم يجز رهنه بدين سواه وأجاز القاضي لأن المجني عليه يملك إبطال الرهن بالبيع فصار كالجائز قبل القبض والزيادة في دين الرهن قبل لزومه جائزة ولأن الحق متعلق به وإنما ينتقل من الجناية إلى الرهن بخلاف غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏جناية العبد على سيده‏]‏

فإن جنى على سيده جناية لا توجب قصاصا فهي هدر لأنه مال لسيده فلا يثبت له في ماله كما لو لم يكن رهنا وإن كانت موجبة للقود فيما دون النفس فعفي على مال سقطت مطلقا لذلك وإن أحب القصاص فله ذلك لأن القصاص يجب للزجر والحاجة تدعو إلى زجره عن سيده وإن كانت على النفس فللورثة القصاص وليس لهم العفو على مال في أحد الوجهين لما ذكرنا في السيد ولأنهم يقومون مقام الموروث ولم يكن له العفو على مال فكذلك وارثه والثاني‏:‏ لهم ذلك لأن الجناية حصلت في ملك غيرهم فأشبه الجناية على أجنبي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الجناية على موروث سيده‏]‏

فإن جنى على موروث سيده ولم ينتقل الحق إلى سيده فهي جناية على أجنبي وإن انتقل إليه وكانت الجناية موجبة للقصاص في طرف فمات المجني عليه فللسيد القصاص والعفو على مال لأن المجني عليه ملك ذلك فملكه وارثه وإن كانت على النفس فكذلك في أحد الوجهين والثاني‏:‏ ليس له العفو على مال كما لو كانت الجناية على نفسه وأصلهما‏:‏ هل يثبت للموروث ثم ينتقل إلى الوارث أم للوارث ابتداء‏؟‏ فليس له العفوعلى مال كالجناية على طرف نفسه وإن قلنا يثبت للموروث فله العفو على مال لأن الحق ينتقل إليه على الصفة التي كان لموروثه لكون الاستدامة أقوى من الابتداء وإن كانت الجناية موجبة للمال أو كان الموروث قد عفي على مال ثبت ذلك للسيد لذلك فيقدم به على المرتهن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الجناية على عبد لسيده‏]‏

وإن جنى على عبد لسيده غير مرهون فحكمه حكم الجناية على طرف سيده وإن كان مرهونا عند مرتهن القاتل بحق واحد والجناية موجبة للمال أو عفا السيد على مال ذهب هدرا كمالو مات حتف أنفه وإن كان رهنا بحق آخر تعلق دين المقتول برقبة القاتل إن كانت قيمة المقتول أكثر من قيمة القاتل أو مساوية لها وإن كانت أقل تعلق برقبة القاتل بقدر قيمة المقتول فأي الدينين حل أولا بيع فيه فيستوفى من ثمنه وباقيه رهن بالآخر وإن كان المقتول رهنا عند غير مرتهن القاتل وكانت الجناية موجبة للقصاص فللسيد الخيرة بين القصاص والعفو على مال لأنه يتعلق به حق غيره ويثبت المال في رقبة العبد فإن كان لا يستغرق قيمته بيع منه بقدر أرش الجناية ويكون رهنا عند مرتهن المجني عليه وباقيه رهن بدينه وإن لم يمكن بيع بعضه بيع كله وقسم ثمنه بينهما على حسب ذلك وإن كانت الجناية تستغرق قيمته فالثاني أحق به وهل يباع أو ينقل فيجعل رهنا عنده‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يباع لعدم الفائدة في بيعه‏.‏

والثاني‏:‏ يباع لأنه ربما زاد فيه مزايد فاشتراه بأكثر من قيمته فكل موضع قلنا‏:‏ للسيد القصاص أو لوارثه فاقتص فقال‏:‏ بعض أصحابنا عليه قيمته تجعل مكانه لأنه أتلف الرهن باختياره ويحتمل أن لا يجب عليه شيء لأنه اقتص بإذن الشارع فلم يلزمه شيء كالأجنبي‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏جناية العبد بإذن سيده‏]‏

وجنايته بإذن سيده كجنايته بغير إذنه إلا أن يكون صبيا أو أعجميا لا يعلم تحريم الجناية فيكون السيد هو الجاني يتعلق به القصاص والدية كالمباشر لها ولا يباع العبد فيها وقيل‏:‏ يباع إذا كان معسرا لأنه باشر الجناية والأول أصح لأن العبد آلة ولو تعلقت به الجناية بيع فيها وإن كان سيده موسرا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من يضمن جناية الرهن‏]‏

وإن جنى على الرهن فالخصم الراهن لأنه مالكه ومالك بدله فإن كانت الجناية موجبة للقصاص فله أن يقتص أو يعفو فإن اقتص ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ عليه قيمته تجعل مكانه لأنه أتلف مالا استحق بسبب إتلاف ‏[‏الرهن‏]‏ فغرم قيمته كما لو كانت الجناية موجبة للمال‏.‏

والثاني‏:‏ لا شيء عليه لأنه لم يجب بالجناية مال ولا استحق بحال وليس على الراهن السعي للمرتهن في اكتساب مال وإن عفا على مال أو كانت الجناية موجبة للمال كان رهنا مكانه فإن عفا الراهن عن المال لم يصح عفوه لأنه محل تعلق به حق المرتهن فلم يصح عفو الراهن عنه كما لو قبضه المرتهن وقال أبو الخطاب يصح وتؤخذ منه قيمته وتكون رهنا لأنه أتلفه بعفوه وقال القاضي‏:‏ تؤخذ قيمته من الجاني فتجعل مكانه فإذا زال الرهن ردت إلى الجاني كما لو أقر على عبده المرهون بالجناية وإن عفا الراهن عن الجناية الموجبة للقصاص إلى غير مال انبنى على موجب العمد فإن قلنا‏:‏ أحد شيءين فهو كالعفو عن المال وإن قلنا‏:‏ القصاص فهو كالاقتصاص فيه وجهان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إقرار الراهن أن العبد كان جنى قبل رهنه‏]‏

إذا أقر الراهن أن العبد كان جنى قبل رهنه فكذبه المرتهن وولي الجناية لم يسمع قوله وإن صدقه ولي الجناية وحده قبل إقراره على نفسه دون المرتهن فيلزمه أرش الجناية لأنه حال بين المجني عليه وبين رقبة الجاني بفعله ما لو قتله فإن كان معسرا قمتى انفك الرهن كان المجني عليه أحق برقبته وعلى المرتهن اليمين أنه لا يعلم ذلك فإن نكل قضي عليه وفيه وجه آخر أنه يقبل إقرار الراهن لأنه غير متهم لأنه يقر بما يخرج الرهن من ملكه وعليه اليمين لأنه يبطل بإقراره حق المرتهن فيه وإن أقر أنه كان أعتقه عتق لأنه يملك عتقه فملك الإقرار به فيخرج العبد من الرهن ويؤخذ من الراهن قيمته تجعل مكانه ولا يقبل قوله في تقديم عتقه لأنه يسقط به حق المرتهن من عوضه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إقرار رجلٍ بالجناية على الرهن فكذبه الراهن والمرتهن‏]‏

وإن أقر رجل بالجناية على الرهن فكذبه الراهن والمرتهن فلا شيء لهما وإن صدقه الراهن وحده فله الأرش ولا حق للمرتهن فيه لإقراره بذلك وإن صدقه المرتهن وحده أخذ الأرش فجعل رهنا عنده فإذا خرج من الرهن رجع إلى الجاني ولا حق للراهن فيه والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏

باب‏:‏ الشروط في الرهن

يصح شرط جعل الرهن في يد عدل فيقوم قبضه مقام قبض المرتهن لأنه قبض في عقد فجاز التوكيل فيه كقبض الموهوب وما دام العدل حاله فليس لأحدهما ولا للحاكم نقله عن يده لأنهما رضياه ابتداء وإن اتفقا على نقله جاز لأن الحق لهما لا يعدوهما وإن تغيرت حاله بفسق أو ضعف عن الحفظ أو عداوة لهما أو لأحدهما فمن طلب نقله منهما فله ذلك لأنه متهم في حقه ففي بقائه في يده ضرر ثم إن اتفقا على من يضعانه عنده جاز وإن اختلفا وضعه الحاكم في يد عدل وإن اختلفا في تغير حاله بعث الحاكم وعمل بما يظهر له وإن مات العدل لم يكن لوارثه إمساكه إلا بتراضيهما لأنهما ما ائتمناه وإن رده العدل عليهما لزمهما قبوله لأنه متطوع بحفظه فلم يلزمه المقام عليه فإن امتنعا أجبرهما الحاكم فإن تغيبا أو كانا غائبين نصب الحاكم أمينا يقبضه لهما لأن للحاكم ولاية على الغائب الممتنع من الحق وإن دفعه الحاكم إلى أمين من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن الحاكم والأمين معا لأنه لا ولاية له على غير الممتنع والغائب فإن امتنعا أو غابا فلم يجد الحاكم ضمن لأنه يقوم مقامهما وكذلك لو أودعه من غير امتناعهما ولا غيبتهما ضمن هو والقابض معا وإن امتنع أحدهما ولم يجد حاكما لم يكن له دفعه إلى الآخر فإن فعل ضمن لأنه يمسكه لنفسه والعدل يمسكه لهما فإن رده إلى يده زال الضمان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن شرط جعله في يد اثنين‏]‏

وإن شرط جعله في يد اثنين صح الشرط ولم يكن لأحدهما الانفراد بحفظه لأن المتراهنين لم يرضيا إلا بحفظهما معا فلم يجز لأحدهما الانفراد به كالوصيين فإن سلمه أحدهما إلى صاحبه ضمن نصفه لأنه القدر الذي تعدى فيه فإن مات أحدهما أو تغير حاله أقيم مقامه عدل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏كل من جاز توكيله جاز جعل الرهن على يديه‏]‏

وكل من جاز توكيله جاز جعل الرهن على يديه مسلما كان أو كافرا عدلا أو فاسقا ذكرا أو أنثى لأنه جاز توكيله في غير الرهن فجاز فيه كالعدل ولا يجوز أن يكون صبيا أو مجنونا لأنه غير جائز التصرف فإن فعلا كان قبضه له وعدمه واحدا وإن كان عبدا فله حفظه بإذن سيده ولا يجوز بغير إذنه لأن منافعه لسيده فلا يجوز تضييعها في الحفظ من غير إذنه وإن كان مكاتبا وكان بغير جعل لم يجز لأنه ليس له التبرع وإن كان بجعل جاز لأن له الكسب بغير إذن سيده فإن لم يشرط جعله في يد أحد فهو في يد المرتهن لأنه المستوجب للعقد فكان القبض له كالمتهب فإن قبضه ثم تغيرت حاله في الثقة أو الحفظ أو حدث بينهما عداوة فللراهن دفعه إلى الحاكم ليزيل يده ويجعل في يد عدل لأنه لم يرض بحفظه في هذه الحال وإن اختلفا في تغير حاله بحث الحاكم وعمل بما بان له وإن مات المرتهن نقل عن الوارث إلى عدل لأن الراهن لم يرض بحفظه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا شرط أن يبيعه المرتهن‏]‏

إذا شرط أن يبيعه المرتهن أو العدل عند حلول الحق صح شرطه لأن ما صح توكيل غيرهما فيه صح توكيلهما فيه كبيع عين أخرى فإن عزلهما الراهن صح عزله لأن الوكالة عقد جائز فلم يلزم المقام عليهما كما لو وكل غيرهما أو وكلهما في بيع غيره ولو مات المرتهن لم يكن لوارثه البيع لأنه لم يؤذن له ويتخرج أنه لا يملك عزلهما لأنه يفتح باب الحيلة فإن عزل المرتهن العدل عن البيع لم يملكه إلا في الحال الذي يملكه الراهن لأنه وكيله خاصة وإن أذنا له في بيع الرهن فتلف بجناية نمائه تبعا فبيع قيمته أولى والصحيح أنه لا يملك بيعها لأنه لم يؤذن له فيه ولا هي تبع لما أذن فيه بخلاف النماء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أذنا له في البيع بنقد‏]‏

وإن أذنا له في البيع بنقد لم يكن له خلافهما لأنه وكيلهما وإن أطلقا أو اختلفا باع بنقد البلد لأن الحظ فيه لأن الغرض تحصيل الحظ فإن تساوت باع بجنس الدين لأنه يمكن القضاء منه فإن لم يكن فيها جنس الدين عين له الحاكم ما يبيع به وحكمه حكم الوكيل في جوب الاحتياط في الثمن على ما سنذكره فإذا باع وقبض الثمن فتلف في يده من غير تعد فلا ضمان عليه لأنه أمين وهو من ضمان الراهن لأنه ملكه فإن أنكر الراهن تلفه فالقول قول العدل مع يمينه لأنه أمين فهو كالمودع فإن قال‏:‏ ما قبضته من المشتري فالقول قول العدل لذلك ويحتمل أن لا يقبل قوله لأن هذا إبراء للمشتري وإن خرج الرهن مستحقا فالعهدة على الراهن دون العدل لأنه وكيل وإن استحق بعد تلف الثمن في يد العدل رجع المشتري على الراهن دون العدل لأنه قبض منه على أنه أمين في قبضه وتسليمه إلى المرتهن وإن كان الثمن باقيا في يد العدل أو المرتهن رجع المشتري فيه لأنه عين ماله قبض بغير حق وإن وجد المشتري بالمبيع عيبا فرده بعد قبض المرتهن ثمنه لم يرجع عليه لأنه قبضه بحق ولا على العدل لأنه أمين ويرجع على الراهن إلا أن يكون العدل لم يعلم المشتري أنه وكيل فيكون رجوعه عليه ثم يرجع هو على الراهن فإن تلف المبيع في يد المشتري ثم بان مستحقا فلمالكه تضمين من شاء من الراهن والعدل والمرتهن لأن كل واحد منهم قبض ماله بغير حق ويستقر الضمان على المشتري لأن التلف حصل في يده ويرجع على الراهن بالثمن الذي أخذ منه وإذا باع العدل الرهن بيعا فاسدا وجب رده فإن تعذر رده فللمرتهن تضمين من شاء من العدل والمشتري أقل الأمرين من قيمة الرهن أو قدر الدين لأنه يقبض ذلك مستوفيا لحقه لا رهنا فلم يكن له أكثر من دينه وما بقي للراهن يرجع به على من شاء منهما وإن وفى الراهن المرتهن رجع بقيمته على من شاء منهما ويستقر الضمان على المشتري لحصول التلف في يده‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره‏]‏

وإذا ادعى العدل دفع الثمن إلى المرتهن فأنكره ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ القول قول العدل لأنه أمين فإذا حلف برئ ويرجع المرتهن على الراهن‏.‏

والثاني‏:‏ القول قول المرتهن لأنه منكر والعدل إنما هو أمينه في الحفظ لا في دفع الثمن إليه فإذا حلف رجع على من شاء منهما فإذا رجع على العدل لم يرجع العدل على الراهن لأنه يقر ببراءة ذمته منه ويدعي أن المرتهن ظلمه وغصبه وإن رجع على الراهن رجع الراهن على العدل لتفريطه في القضاء بغير بينة إلا أن يكون قضاؤه بحضرة الراهن أو ببينة فماتت أو غابت فلا يرجع عليه لعدم تفريطه وعنه‏:‏ لا يرجع عل العدل بحال لأنه أمين ولو غابت فلا يرجع عليه لعدم تفريطه وعنه‏:‏ لا يرطع على العدل بحال لأنه أمين ولو غصب المرتهن الرهن من العدل ثم رده إليه زال الضمان لأنه رده إلى وكيل الراهن في إمساكه فأشبه ما لو أذن له في دفعه إليه ولو كان الرهن في يده فتعدى فيه ثم زال التعدي لم يزل الضمان لأن استئمانه زال بذلك فلم يعد بفعله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا رهن أمة رجلا وشرط جعلها في يد امرأة أو ذي رحم لها أو ذي زوجة أو أمة‏]‏

وإذا رهن أمة رجلا وشرط جعلها في يد امرأة أو ذي رحم لها أو ذي زوجة أو أمة جاز لأنه لا يفضي إلى الخلوة بها وإن لم يكن كذلك فسد الرهن لإفضائه إلى خلوة الأجنبي بها ولو اقترض ذمي من مسلم مالا ثم رهنه خمرا لم يصح لأنها ليست مالا وإن باعها الذمي أو وكيله وأتاه بثمنها فله أخذه فإن امتنع لزمه وقيل له‏:‏ إما أن تقبض أو أن تبرئ لأن أهل الذمة إذا تقابضوا في العقود الفاسدة جرى مجرى الصحيح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن شرط ما ينافي مقتضى الرهن‏]‏

فإن شرط ما ينافي مقتضى الرهن نحو أن يشترط أن لا يسلمه أو لا يباع عند الحلول أو لا يستوفى الدين من ثمنه أو شرط أن يبيعه بما شاء أو لا يبيعه إلا بما يرضيه فسد الشرط لأن المقصود مع الوفاء به مفقود وإن شرط أنه متى حل الحق ولم توفني فالرهن لي بالدين أو بثمن سماه فسد لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏لا يغلق الرهن‏]‏ رواه الأثرم ومعناه‏:‏ استحقاق المرتهن له لعجز الراهن عن فكاكه ولأنه علق البيع على أن تزيدني في الأجل لم يصح لأن الدين الحال لا يتأجل وإذا لم يثبت الأجل فسد الرهن لأنه في مقابلته وإن شرط أن ينتفع المرتهن بالرهن في دين القرض لم يجز وإن كان بدين مستقر في مقابلة تأخيره عن أجله لم يجز لأنه بيع للأجل وإن كان في بيع فعن أحمد جوازه إذا جعل المنفعة معلومة كخدمة شهر ونحوه فيكون بيعا وإجارة وإن لم تكن معلومة بطل الشرط للجهالة وبطل البيع لجهالة ثمنه وما عدا هذا فهو إباحة لا يلزم الوفاء به وإن قال‏:‏ رهنتك ثوبي هذا يوما ويوما لا أوقته فالرهن فاسد لأن ينافي مقتضاه وكل شرط يسقط به دين الرهن يفسده وما لا يؤثر في ضرر أحدهما كاشتراط جعل الأمة في يد أجنبي عزب لا يفسده وفي سائر الشروط الفاسدة وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يفسد بها الرهن‏.‏

والآخر‏:‏ لا يفسد بناء على الشروط الفاسدة في البيع ويحتمل أن ما ينقص المرتهن يبطله وجها واحدا وفي سائرها وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يبطل الرهن لأنه شرط فاسد فأبطله كالأول‏.‏

والثاني‏:‏ لا يبطله لأنه زائد فإذا بطل بقي العقد بأحكامه‏.‏

باب‏:‏ اختلاف المتراهنين

إذا قال‏:‏ رهنتني كذا فأنكر أو اختلفا في قدر الدين أو قدر الرهن فقال‏:‏ رهنتني هذين قال‏:‏ بل هذا وحده أو قال‏:‏ رهنتني هذا بجميع الدين قال‏:‏ بل نصفه أو قال رهنتنيه بالحال قال‏:‏ بل بالمؤجل فالقول قول الراهن لأنه منكر والأصل عدم ما أنكره ولأن القول قوله في أصل العقد فكذلك في صفته فإن قال‏:‏ رهنتني عبدك هذا وخرج بيمينه وإن قال‏:‏ أرسلت وكيلك فرهن عبدك على ألفين قبضها مني فقال‏:‏ ما أذنت له في رهنه إلا ألف سئل الرسول فإن صدق الراهن حلف على أنه ما رهنه بألف ولا قبض غيرها ولا يمين على الراهن لأن الدعوى على غيره وإن صدق المرتهن حلف الراهن وعلى الرسول ألف لأنه أقر بقبضها ويبقى العبد رهنا على ألف واحدة ومن توجهت عليه اليمين فنكل فهو كالمقر سواء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال‏:‏ رهنتني عبدك هذا بألف فقال‏:‏ بل بعتكه بها، ونحوها‏]‏

فإن قال‏:‏ رهنتني عبدك هذا بألف فقال‏:‏ بل بعتكه بها أو قال‏:‏ بعتنيه بألف فقال‏:‏ بل رهنتكه بها حلف كل واحد منهما على نفي ما ادعى عليه فسقط ويأخذ السيد عبده وتبقى الألف بغير رهن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن قال الراهن‏:‏ قبضت الرهن بغير إذني فقال‏:‏ بل بإذنك‏]‏

وإن قال الراهن‏:‏ قبضت الرهن بغير إذني فقال‏:‏ بل بإذنك فالقول قول الراهن لأنه منكر وإن قال‏:‏ أذنت لك ثم رجعت قبل القبض فأنكر المرتهن فالقول قوله لأن الأصل عدم الرجوع وإن كان الرهن في يد الراهن فقال المرتهن‏:‏ قبضته ثم غصبتنيه فأنكر الراهن فالقول قوله لأن الأصل معه وإن أقر بتقبيضه ثم قال‏:‏ احلفوه لي أنه قبض بحق ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يحلف لأن ما ادعاه محتمل‏.‏

والثاني‏:‏ لا يحلف لأنه مكذب لنفسه وإن رهنه عصيرا ثم وجد خمرا فقال المرتهن‏:‏ إنما أقبضني خمرا فلي فسخ البيع وقال الراهن‏:‏ بل كان عصيرا فقال أحمد رضي الله عنه‏:‏ فالقول قول الراهن لأنه يدعي سلامة العقد وصحة القبض فظاهر حال المسلم استعمال الصحيح فكان القول قول من يدعيه كما لو اختلفا في شرط يفسد المبيع ويحتمل أن القول قول المرتهن بناء على اختلاف المتبايعين في حدوث العيب ولو كان الرهن حيوانا فمات واختلفا في حياته وقت الرهن أو القبض فحكمه حكم العصير وإن أنكر المرتهن قبضه فالقول قوله لأن الأصل معه وإن وجد معيبا واختلفا في حدوثه ففيه وجهان مبنيان على الروايتين في البيع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان لرجل على آخر ألف برهن وألف بغير رهن فقضاه ألفا وقال‏:‏ قضيت دين الرهن فقال‏:‏ هي عن الألف الآخر‏]‏

وإن كان لرجل على آخر ألف برهن وألف بغير رهن فقضاه ألفا وقال‏:‏ قضيت دين الرهن فقال‏:‏ هي عن الألف الآخر فالقول قول الراهن سواء اختلفا في لفظه أو نيته لأنها تنتقل منه فكان القول قوله في صفة النقل وهو أعلم بنيته ولو دفعها بغير لفظ ولا نية فله صرفها إلى أيهما شاء كما لو دفع زكاة أحد الألفين فإن أبرأه المرتهن من أحدهما فالقول قول المرتهن لذلك وإن أطلق فله صرفها إلى أيهما شاء ذكره أبو بكر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان عليه ألفان لرجلين فادعى كل واحد منهما أنه رهنه بدينه فأنكرهما‏]‏

وإن كان عليه ألفان لرجلين فادعى كل واحد منهما أنه رهنه بدينه فأنكرهما حلف لهما وإن صدق أحدهما أو قال‏:‏ هو السابق سلمه إليه وحلف للآخر وإن نكل والعبد في يد أحدهما فعليه للآخر قيمته تجعل رهنا لأنه فوته على الثاني بإقراره للأول أو بتسليمه إليه وقال القاضي‏:‏ هل يرجح صاحب اليد أو المقر له‏؟‏ يحتمل على وجهين فإن قال‏:‏ لا أعلم المرتهن منهما أو السابق حلف على ذلك والقول قول من هو في يد منهما مع يمينه وإن كان في أيديهما أو يد غيرهما فالحكم في ذلك كالحكم فيما إذا ادعيا ملكه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن ادعى على رجلين أنهما رهناه عبدهما بدينه فأنكراه‏]‏

فإن ادعى على رجلين أنهما رهناه عبدهما بدينه فأنكراه فالقول قولهما وإن شهد كل واحد مهما على الآخر قبلت شهادته لأنه لا يجلب بهذه الشهادة نفعا ولا يدفع بها ضررا وإن أقر أحدهما وحده لزم في نصيبه وتسمع شهادته على صاحبه لما ذكرناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن ادعى المرتهن هلاك الرهن بغير تفريط‏]‏

وإن ادعى المرتهن هلاك الرهن بغير تفريط فالقول قوله لأنه أمين فأشبه المودع وإن ادعى الرد ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يقبل قوله لذلك‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقبل لأنه قبضه لنفسه فلم يقبل قوله في الرد كالمستأجر وإن أعتق الراهن الجارية أو وطئها فادعى أنه بإذن المرتهن فأنكره فالقول قول المرتهن لأن الأصل معه فإن نكل قضي عليه وإن صدقه فأتت بولد فأنكر المرتهن مدة الحمل فالقول قوله لأن الأصل عدمها وإن وطئها المرتهن بإذن الراهن وادعى الجهالة وكان مثله يجهل ذلك فلا حد عليه لأن الحد يدرأ بالشبهات ولا مهر لأنه حق للسيد فسقط بإذنه والولد حر يلحق نسبه لأنه من وطء شبهة ولا تصير أم ولد لأنه لا ملك له فيها وإن لم تكن له شبهة فعليه الحد والمهر وولده رقيق‏.‏

كتاب‏:‏ التفليس

ومن لزمه دين مؤجل لم يجز مطالبته به لأنه لايلزمه أداؤه قبل أجله ولا يجوز الحجر عليه به لأنه لا يستحق المطالبة به فلم يملك منعه من ماله بسببه فإن أراد سفرا يحل دينه قبل قدومه منه فلغريمه منعه إلا برهن أو ضمين مليء لأنه ليس له تأخير الحق عن محله وفي السفر تأخيره وإن لم يكن كذلك ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ له منعه لأن قدومه عند المحل غير متيقن ولا ظاهر فملك منعه منه كالأول‏.‏

والثانية‏:‏ ليس له منعه لأنه لا يملك المطالبة به في الحال ولا يعلم أن السفر مانع منها عند الحلول فأشبه السفر القصير وإن كان الدين حالا والغريم معسرا لم تجز مطالبته لقول الله تعالة‏:‏ ‏{‏وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة‏}‏ ولا يملك حبسه ولا ملازمته لأنه دين لا يملك المطالبة به فلم يملك به ذلك كالمؤجل فإن كان ذا صنعة ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجبر على إجارة نفسه لما روي أن رجلا دخل المدينة وذكر أن وراءه مالا فداينه الناس ولم يكون وراءه مال فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سرقا وباعه بخمسة أبعر وروى الدارقطني نحوه وفيه أربعة أبعرة والحر لا يباع فعلم أنه باع منافعه ولأن الأجارة عقد معاوضة فجاز أن يجبر عليه كبيع ماله وإجارة أم ولده‏.‏

والثانية‏:‏ لا يجبر لما روى أبو سعيد‏:‏ أن رجلا أصيب في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏تصدقوا عليه‏]‏ فتصدقوا عليه فلم يبلغ وفاء دينه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك‏]‏ رواه مسلم ولأنه نوع تكسب فلم يجز عليه كالتجارة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إن كان موسرا فلغريمه مطالبته وعليه قضاؤه‏]‏

وإن كان موسرا فلغريمه مطالبته وعليه قضاؤه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏مطل الغني ظلم‏]‏ متفق عليه فإن أبى فله حبسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏لي الواجد يحل عقوبته وعرضه‏]‏ من المسند فإن لم يقضه باع الحاكم ماله وقضى دينه لما روي أن عمر رضي الله عنه قال‏:‏ إن أسيفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال‏:‏ سابق الحاج فادان معرضا فمن كان له عليه مال فليحضر فإنا بائعو ماله وقاسموه بين غرمائه رواه مالك في الموطأ بنحوه فإن غيب ماله حسبه وعزره حتى يظهره ولا يجوز الحجر عليه مع إمكان الوفاء لعدم الحاجة إليه وإن تعذر الوفاء وخيف من تصرفه في ماله حجر عليه إذا طلبه الغرماء لئلا يدخل الضرر عليهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن ادعى الإعسار من لم يعرف له مال‏]‏

فإن ادعى الإعسار من لم يعرف له مال فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن عرف له مال أو كان الحق لزمه في مقابلة مال كثمن مبيع أو قرض لم يقبل قوله إلا ببينة لأن الأصل بقاء المال ويحبس حتى يقيم البينة فإن قال‏:‏ غريمي يعلم إعساري فعلى غريمه اليمين أنه لايعلم ذلك وإن أقام البينة على تلف المال فعليه اليمين معها أنه معسر لأنه صار بهذه البينة كمن لم يعرف له مال وإن شهدت بإعساره فادعى غريمه أن له مالا باطنا لم يلزمه يمين لأنه أقام البينة على ما ادعى وتسمع البينة على التلف وإن لم يكن ذا خبرة باطنة لأنه أمر يعرف بالمشاهدة ولا تسمع على الإعسار إلا من أهل الخبرة بحاله لأنه من الأمور الباطنة فإن كان في يده مال فأقر به لغيره سئل المقر له فإن كذبه بيع في الدين وإن صدقه سلم إليه فإن قال الغريم‏:‏ أحلفوه أنه صادق لم يستحلف لأنه لو رجع عن الإقرار لم يقبل منه وإن طلب يمين المقر له لأنه لو رجع قبل رجوعه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان ماله لا يفي بدينه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه‏]‏

فإن كان ماله لا يفي بدينه فسأل غرماؤه الحاكم الحجر عليه لزمته إجابتهم لما روى كعب بن مالك‏:‏ ‏[‏أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حجر على معاذ وباع ماله‏]‏ رواه سعيد بن منصور بنحوه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك ولأن فيه دفعا للضرر عن الغرماء فلزم ذلك كقضائهم ويستحب الإشهاد على الحجر ليعلم الناس حاله فلا يعاملوه إلا على بصيرة ويتعلق بالحجر عليه أربعة أحكام‏:‏

أحدها‏:‏ منع تصرفه في ماله فلا يصح بيعه ولا هبته ولا وقفه ولا غير ذلك لأنه حجر ثبت بالحاكم فمنع تصرفه كالحجر للسفه وفي العتق روايتان‏:‏

إحدهما‏:‏ لا يصح لذلك ولأن حق الغرماء تعلق بماله فمنع صحة عتقه كما لو كان مريضا‏.‏

والثانية‏:‏ يصح لأنه عتق من مالك رشيد صحيح أشبه عتق الراهن وإن أقر بدين أو عين في يده كالقصار والحائك يقر بثوب لم يقبل إقراه لذلك ويلزم في حقه يتبع به بعد فك الحجر عنه وإن توجهت عليه يمين فنكل عنها فهو كإقراره وإن تصرف في ذمته بشراء أو اقتراض أو ضمان أو كفالة صح لأنه أهل للتصرف والحجر إنما تعلق بماله دون ذمته ولا يشارك أصحاب هذه الديون الغرماء لأن من علم منهم بفلسه فقد رضي بذلك ومن لم يعلم فهو مفرط ويبيعونه بعد فك الحجر عنه كلمقر له وهل للبائع والمقرض الرجوع في أعيان أموالهما إن وجداها‏؟‏ على وجهين‏:‏

أحدهما‏:‏ لهما ذلك للخبر ولأنه باعه في وقت الفسخ فلم يصقط حقه منه كما لو تزوجت المرأة معسرا بنفقتها‏.‏

والثاني‏:‏ لا فسخ لهما لأنهما دخلا على بصيرة بخراب الذمة أشبها من اشترى معيبا يعلم عيبه‏.‏

وإن جنى المفلس جناية توجب مالا لزمه وشارك صاحبه الغرماء لأنه حق ثبت بغير رضى مستحقه فوجب قضاؤه من المال كجناية عبده وإن ثبت عليه حق بسبب قبل الفلس ببينة شارك صاحبه الغرماء لأنه غريم قدديم فهو كغيره‏.‏

فصل‏:‏ الحكم الثاني

أنه يتعلق حقوق الغرماء بعين ماله فليس لبعضهم الاختصاص بشيء منه سوى ما سنذكره ولو قضى المفلس أو الحاكم بعضهم وحده لم يصح لأنهم شركاؤه فلم يجز اختصاصه دونهم ولو جنى عليه جناية أوجبت مالا أو ورث مالآ تعلقت حقوقهم به وإن أوجبت قصاصا لم يملكوا إجباره على العفو إلى مال لأن فيه ضررا بتفويت القصاص الواجب لحكمة الإحياء ولا يجبر على قبول هبة ولا صدقة ولا قرض عرض عليه ولا الرأة على التزوج لأنه فيه ضررا بلحوق المنة أو التزوج من غير رغبة ولو باع بشرط الخيار لم يجز على ما فيه الحظ من رد أو إمضاء لأن الفلس يمنعه إحداث العقود لا إمضاؤها وليس للغرماء الخيار لأن الخيار لم يشرط لهم وإن وهب هبة بشرط الثواب لزم قبوله لأنه عوض عن مال فلزم قبوله كثمن المبيع ولا يملك إسقاط ثمن مبيع ولا أجرة ولا أخذه رديئا ولا قبض المسلم فيه صفة إلا بإذن الغرماء لما ذكرناه وإن ادعى مالا له به شاهد حلف وثبت المال وتعلقت حقوقهم به وإن نكل لم يكن للغرماء أن يحلفوا لأن دعواهم لهذا المال غير مسموعة فلا يثبت بأيمانهم كالأجانب ولأنهم لو حلفوا لحلفوا على إثبات مال لغيرهم وكذلك الحكم في غرماء الميت إذا لم يحلف الوارث لم يحلفوا لما ذكرنا‏.‏

فصل‏:‏ والحكم الثالث

أن للحاكم بيع ماله وقضاء دينه ويستحب أن يحضره عند البيع لأنه أعرف بثمن ماله وجيده ورديئه فيتكلم عليه وهو أطيب لقلبه ويحضر الغرماء لأنه أبعد من التهمة ربما رغب بعضهم بشراء شيء فزاد في ثمنه أو وجد في عين ماله فأخذها فإن لم يفعل جاز لأن ذلك موكول إليه ويقيم مناديا ينادي على المتاع فإن عين المفلس والغرماء مناديا ثقة أمضاه الحاكم وإن لم يكن ثقة رده لأن للحاكم نظرا فإنه ربما ظهر غريم آخر وإن اختلفوا في المنادي قدم الحاكم أوثقهما وأعرفهما فإن تطوع بالنداء ثقة لم يستأجر لأن فيه بذل الأجرة من غير حاجة وإن عدم بذلك الأجرة من مال المفلس لأن االبيع حق عليه ويقدم على الغرماء بها لأنه لو لم يعط لم يناد وكذلك أجرة من يحفظ المتاع والثمن ويحمله ويباع كل شيء في سوقه لأن أهل السوق أعرف بقيمة المتاع وأرغب وطلابه فيه أكثر فإن باعه في غيره بثمن مثله جاز لأنه ربما أداه اجتهاد إلى ذلك لمصلحة فيه ويبدأ ببيع ما يسرع إليه الفساد لأن في تأخيره هلاك ثم بالحيوان لأنه يحتاج إلى العلف ويخشى عليه التلف ثم بالأثاث لأنه يخشى تلفه وتناله اليد ثم بالعقار لأنه أبعد تلفا وتأخيره أكثر لطالبيه فيزداد ثمنه ومن وجد من الغرماء عين ماله فهو أحق بها ومن اكترى من المفلس دارا أو ظهرا بعينه قبل الحجر عليه فهو أحق به لأنه استحق عينه قبل إفلاسه فأشبه ما لو اشترى منه عبدا وإن اكترى منه ظهرا في الذمة فهو أسوة الغرماء لأن دينه في الذمة أشبه سائر الغرماء وإن كان في المتاع رهن أو جان قدم الراهن والمجني عليه بثمنه لأن المرتهن لم يرض بمجرد الذمة بخلاف سائر الغرماء وحق المجني عليه يقدم على حق المرتهن فعلى غيره أولى وإن فضل منه فضل رده على التركة وإن لم يف بحقهما فلا شيء للمجني عليه لأنه لا حق في غير الجاني ويضرب المرتهن مع الغرماء بباقي دينه لأن حقه متعلق بالذمة مع تعلقه بالعين وإن بيع له متاع فهلك ثمنه أو استحق المبيع رجع المشتري بثمنه وهل يقدم على الغرماء‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يقدم لأن في تقديمه مصلحة فإنه لو لم يقدم تجنب الناس شراء ماله خوفا من الاستحقاق فيقل ثمنه فقدم به كأجرة المنادي‏.‏

والثاني‏:‏ لا يقدم لأنه حق لزمه بغير رضى صاحبه أشبه أرش جنايته ثم يقسم ما اجتمع من ماله بين الغرماء على قدر ديونهم فإن ظهر غريم بعد القسمة نقضت وشاركهم لأنه غريم لو كان حاضرا لشاركهم فإذا ظهر بعد ذلك قاسمهم كما لو ظهر للميت غريم بعد قسم ماله وإن أكرى داره عاما وقبض أجرتها فقسمت ثم انهدمت الدار رجع المكتري على المفلس بأجرة ما بقي وشاركهم فيما اقتسموه لأنه دين وجب بسبب قبل الحجر فشارك به الغرماء كما لو انهدمت قبل القسمة‏.‏

فصل‏:‏ الحكم الرابع

أن من وجد عين ماله عنده فهو أحق به لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من وجد متاعه بعينه عند إنسان قد أفلس فهو أحق به‏]‏ متفق عليه وله الخيار بين أخذه أو تركه وله أسوة الغرماء سواء كانت السلعة مساوية لثمنها أو أقل أو أكثر لأن الإعسار ثبت للفسخ فلا يوجبه كالعيب ولا يفتقر إلى حاكم للخبر ولأنه فسخ ثبت بنص السنة فلم يفتقر إلى حاكم كفسخ النكاح بالعتق تحت العبد وفيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ أن الخيار على التراخي لأنه رجوع إلى عوض كان على التراخي كالرجوع في الهبة‏.‏

والثاني‏:‏ هو على الفور اختاره القاضي لأن في تأخيره إضرارا بالغرماء لتأخير حقوقهم ولأنه خيار يثبت في المبيع لنقص في العوض أشبه الرد بالعيب فإن حكم حاكم بسقوط الخيار فقال أحمد رضي الله عنه‏:‏ ينقض حكمه لأنه يخالف صريح السنة ويحتمل أن لا ينقض لأنه مختلف فيه ولو بذل الغرماء لصاحب السلعة ثمنها ليتركها لم يلزمه قبول للخبر ولأنه تبرع بدفع الحق من غير من هو عليه فلم يجبر المستحق على قبوله كما لو أعسر بنفقة زوجته فبذلها غيره وسواء ملكها المفلس ببيع أو قرض لعموم الخبر ولو أصدق امرأة مالا وأفلست قبل دخوله بها ثم ارتدت أو طلقها ووجد عين ماله فهو أحق بها ولو استأجر شيئا فأفلس قبل مضي شيء من المدة فللمؤجر الرجوع فيه لأنه وجد عين ماله وإن كان بعد مضي المدة فهو غريم بالأجرة وإن كان بعد مضي شيء منها فهو غريم لأن المدة كالمبيع ومضي بعضها كتلف بعضه وقال القاضي‏:‏ له الفسخ فإن كان للمفلس زرع فعليه تبقيته بأجرة مثله‏.‏

فصل‏:‏ ولا يملك الرجوع إلا بشروط خمسة

أحدها‏:‏ أن يجدها سالمة فإن تلف بعضها أو باعه المفلس أو وهبه أو وقفه فله أسوة الغرماء لقوله عليه السلام‏:‏ ‏[‏من أدرك متاعه فهو أحق به‏]‏ والذي تلف بعضه لم توجد عينه فن كان المبيع عبدين أو ثوبين فتلف أحدهما أو بعضه ففي السالم منهما روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ له الرجوع فيه بقسطه لأنه وجده بعينه‏.‏

والثانية‏:‏ لا يرجع لأنه لم يجد المبيع بعينه أشبه العين الواحدة وإن كان المبيع شجرة مثمرة فتلفت ثمرتها فله أسوة الغرماء لأنهما كالعين الواحدة إلا أن تكون الثمرة مؤبرة حين البيع فاشترطها المبتاع فهما كالعينين لأن الثمرة لا تتبع الأصل فهي كالولد المنفصل وإن نقص المبيع صفة مثل أن هزل أو نسي صناعة أو كبر أو كان ثوبا فخلق لم يمنع الرجوع لأن فقد الصفة لا يخرجه عن كونه عين المال فيتخير بين أخذه ناقصا أو يكون أسوة الغرماء بكل الثمن وإن فقئت عينه فهو كتلف بعضه وإن شج أو جرح أو اقتضت البكر فكذلك في قول أبي بكر لأنه نقص جزء ينقص قيمته فأشبه ما لو فقئت عينه وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب أن له الرجوع لأنه فقد صفة فهو كالهزال ثم إن كان لا أرش له لكونه حصل بفعل الله تعالى أو فعل المفلس فلا شيء للبائع مع الرجوع وإن كان له أرش فللبائع إذا رجع أن يضرب مع الغرماء بحصة ما نقص من ثمنه فينظر ما نقص من قيمته فيرجع بقسطه من الثمن لأنه مضمون على المشتري للبائع بالثمن والأرش للمفلس على الجاني‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان المبيع زيتا فخلطه بزيت آخر‏]‏

فإن كان المبيع زيتا فخلطه بزيت آخر أو لت به سويقا أو صبغا فصبغ به ثوبا أو مسامير فسمر بها بابا أو حجرا فبنى به أو لوحا فجعله في سفينة أو سقف أو نحو ذلك لم يكن له الرجوع لأنه لا يقدر على أخذ عين ماله في بعض الصور ولا بقدر في بعضها إلا بإتلاف مال المفلس ولا يزال الضرر بالضرر وإن كانت حنطة فطحها أو زرعها أو دقيقا فخبزه أو زيتا فعمله صابونا أو عزلا فنسجه أو ثوبا فجعله قميصا أو حبا فصار زرعا أو بيضا فصار فرخا أو نوى فنبت شجرا أو نحوه مما يزيل اسمه فلا رجوع له لأنه لم يجد متاعه بعينه لتعذر اسمه وصفته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترى ثوبا فصبغه أو قصره وسويقا فلَتَّه بزيت‏]‏

وإن اشترى ثوبا فصبغه أو قصره وسويقا فلته بزيت فلصاحبهما الرجوع فيهما لأن عين مالهما قائمة مشاهدة لم يتغير اسمها ولا صفتها ويصير المفلس شريكهما بما زاد عن قيمتهما لأن ما حصل من زيادة القيمة بالصبغ ويغره فهي للمفلس لأنها حصلت فعله في ملكه وإن نقص الثوب لم يمنع الرجوع لأنه نقص صفة فهو كالهزال وإن لم يزد بالقصارة سقط حكمها لعدم أثرها في الزيادة وإن اشترى أرضا فزرعها ثم أفلس فللبائع الرجوع فيها لما ذكرنا ويكون الزرع مبقى إلى الحصاد بغير أجرة لأن العوض في مقابلة الأرض لا في مقابلة المنفعة فإذا فسخ عادت إليه الرقبة دون المنفعة المستثناة شرعا كما لو باعه أمة فزوجها ثم رجع فيها دون منفعة بضعها‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثاني

أن لا يكون البائع قبض من ثمنها شيئا فإن قبض بعضه فلا رجوع له لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏أيما رجل باع سلعة فأدرك سلعته بعينها عند رجل قد أفلس ولم يكن قبض من ثمنها شيئا فهي له وإن كان قد قبض من ثمنها شيئا فهو أسوة الغرماء‏]‏ رواه أبو داود ولأن في الرجوع بالباقي تبعيض الصفقة على المفلس فلم يجز كما لو لم يقبض شيئا‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الثالث

أن لا يتعلق بها حق غير المفلس فإن خرجت عن ملكه ببيع أو غيره لم يرجع لأنه تعلق بها حق غيره أشبه ما لو أعتقها وإن رهنها سقط الرجوع لذلك وإن تعلق بها أرض جناية سقط الرجوع لأنه يقدم على حق المرتهن فهو أولى بالمنع ويتوجه أن لا يمنع لأنه لا يمنع تصرف المشتري بخلاف الرهن فعلى هذا إن شاء رجع فيه ناقصه بعيب الجناية وإن شاء فله أسوة الغرماء فإن كان دين الرهن أو أرش الجناية بقدر بعضه منع الرجوع في الجميع لأنه معنى منع الرجوع في بعضها فمنعه في جميعها كبيع بعضها وقال القاضي‏:‏ يرجع في باقيها بقسطه لأنه لا مانع فيه وإن كان المبيع شقصا مشفوعا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ للبائع الرجوع اختاره ابن حامد للخبر ولأنه إذا رجع فيه عاد الشقص إليه فزال الضرر عن المبيع لعدم شركه غير البائع‏.‏

والثاني‏:‏ الشفيع أحق لأن حقه آكد بدليل أنه ينزع الشقص من المشتري وممن نقله إليه المشتري بخلاف البائع وإن باعه المفلس أو وهبه ثم عاد إليه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ له الرجوع للخبر ولأنه وجد عين ماله خاليا عن حق غيره أشبه إذا لم يبعه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يرجع لأن هذا الملك لم ينتقل إليه منه فلم يملك فسخه وإن كان المبيع صيدا فوجده البائع بعد أن أحرم سقط الرجوع لأنه تملك للصيد فلم يجز مع الإحرام كشرائه‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الرابع

كون المفلس حيا فإن مات فالبائع أسوة الغرماء لما روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏فإن مات فصاحب المتاع أسوى الغرماء‏]‏ رواه أبو داود وفي لفظ ‏[‏أيما امرئ مات وعنده مال امرئ بعينه اقتضى من ثمنه شيئا أو لم يقتض فهو أسوة الغرماء‏]‏ رواه ابن ماجة ولأن الملك انتقل عن المفلس فسقط الرجوع فيه كما لو باعه‏.‏

فصل‏:‏ الشرط الخامس

أن لا يزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة فإن وجد ذلك منع الرجوع ذكره الخرقي لأنه فسخ بسبب حادث فمنعته الزيادة المتصلة كالرجوع في الصداق للطلاق قبل الدخول وعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ له الرجوع للخبر ولأنه فسخ فلم تمنعه الزيادة كالرد بالعيب فأما الزيادة المنفصلة كالولد والثمرة الظاهرة والكسب فلا يمنع الرجوع لأنه يمكن الرجوع في العين دونها والزيادة للمفلس في ظاهر المذهب لأنها نماء ملكه المنفصل فكانت له كما لو ردها بعيب ورجعت إلى الزوج بالطلاق ولأن قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الخراج بالضمان‏]‏ رواه أبو داود يدل على أن النماء للمشتري لكون الضمان عليه وقال أبو بكر‏:‏ هي للبائع قياسا على المتصلة والفرق ظاهر لأن المتصلة تتبع في الفسوخ دن المنفصلة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن باعها حائلا فحملت‏]‏

فإن باعها حائلا فحملت فالحمل زيادة متصلة لأنه يتبع أمه في العقود والفسوخ ولا يمكن الرجوع فيها دونه فهو كالسمن ويحتمل أن يرجع فيها دون ولدها يتربص به حتى تضع لأنه جزء لانفصاله غاية فأشبه الثمرة وإن أفلس بعد وضعها فهو زيادة منفصلة له الرجوع في الأم دون الولد إلا أن تكون أمة فلا يجوز التفريق بينهما ويخير بين دفع قيمة الولد ليملكهما وبين بيعهما معا فيكون له من الثمن ما يخص الأم وإن باعها حاملا فلم تزد قيمتها فله الرجوع وإن زادت القيمة لكبر الحمل أو وضعه فهي زيادة متصلة وإن زاد أحدهما خرج على الروايتين فيما إذا كان المبيع عينين فتلفت إحداهما وقال القاضي‏:‏ له الرجوع فيهما على كل حال ومن جعل الحمل لا حكم له جعل حكمها حكم المبيعة حائلا سواء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن باع نخلا حائلا فأطلعت ثم أفلس المشتري قبل تأبيرها‏]‏

فإن باع نخلا حائلا فأطلعت ثم أفلس المشتري قبل تأبيرها فالطلع زيادة متصلة لأنها تتبع في البيع وقال ابن حامد‏:‏ حكمها حكم المنفصل لأنه يمكن فصله وإفراده بالبيع بخلاف السمن وإن أفلس بعد تأبيرها فهي زيادة منفصلة تكون للمفلس متروكة إلى الجذاذ كما لو اشترى النخل وكذلك الحكم في سائر الشجر وفي الأرض ينبت فيها الزرع فإن اتفق المفلس والغرماء على تبقيته أو قطعه فلهم ذلك وإن اختلفوا وله قيمته مقطوعا قدم قول من طلب القطع لأنه أقل عذرا ولأن الطالب للقطع إما غريم يطلب حقه أو مفلس يطلب تبرئة ذمته فإن أقر المفلس للبائع بالطلع لم يقبل إقراره لأنه يسقط به حق الغرماء فلم يقبل كإقراره بغريم آخر وعلى الغرماء اليمين لأنهم لا يعلمون برجوع البائع قبل التأبير لأن اليمين تثبت في جنبهم ابتداء وإن أقر الغرماء لم يقبل لأن الملك للمفلس ويحلف المفلس ويثبت الطلع له ينفرد به دونهم لإقرارهم أنه لا حق لهم فيه وله تخصيص بعضهم به وقسمته بينهم فمن أباه قيل له‏:‏ إما أن تأخذه أو تبرئه لأنه للمفلس حكما فقد قضاهم ما ثبت له فلزمهم قبوله كما لو أدى المكاتب نجومه فادعى سيده تحريمه فإن قبضوا الثمرة بعينها لزمهم ردها إلى البائع لإقرارهم له بها وإن قبضوا ثمنها لم يلزمهم رده لأنهم إنما اعترفوا له بالعين له بالثمن وإن شهد الغرماء للبائع بالطلع وهم عدول قبلت شهادتهم لأنهم غير متهمين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها ثم أفلس‏]‏

وإن اشترى أرضا فغرسها أو بنى فيها ثم أفلس فللبائع الرجوع في الأرض ثم إن طلب المفلس والغرماء قلع الغراس والبناء فلهم ذلك وعليهم ضمان ما نقصها القلع وتسوية الحفر لأنه نقص حصل بفعلهم لتخليص ملكهم فأشبه المشتري مع الشفيع وإن أبوا القلع فللبائع دفع قيمته ويملكه لأنه حصل لغيره في ملكه بحق فملك ذلك كالشفيع فإن أبى ذلك سقط الرجوع لأن فيه ضررا على المشتري ولأن عين ماله مشغولة بملك غيره أشبه الحجر المبني عليه هذا قول ابن حامد‏.‏

وقال القاضي‏:‏ يحتمل أن له الرجوع لأن شغل ملكه بملك غيره لا يمنع الرجوع إذا كان أصلا كالثوب إذا صبغ فإذا رجع فاتفق الجميع على البيع بيع وأعطي كل واحد حقه وإن أبى بعضهم احتمل أن يجبر عليه لأنه معنى ينفصل به أحدهما عن صاحبه أشبه بيع الثوب المصبوغ واحتمل أن لا يجبر صاحب الأرض ويباع الشجر وحده لأنه ممكن بخلاف الصبغ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترى غراسا فغرسه ثم أفلس فلم يزد‏]‏

وإن اشترى غراسا فغرسه ثم أفلس فلم يزد فللبائع الرجوع فيه ويقلعه ويضمن النقص فإن أتى قلعه فبذل المفلس والغرماء قيمته ليملكوه فلهم ذلك كالتي قبلها وإن أرادوا قلعه فلهم ذلك ولا ضمان عليهم لأن المفلس اشتراه مقلوعا فلم يلزمهم مع رده لذلك شيء آخر ولا إبقاء في أرضهم بغير استحقاق وإن زاد سقط الرجوع في قول الخرقي وعلى رواية الميموني يحتمل ذلك أيضا لأن النماء فيه قد حصل من أرض المفلس فلم يملك البائع أخذه ويحتمل أن له الرجوع كما لو سمن العبد من طعامه وإن اشترى من رجل أرضا ومن آخر غرسا فغرسه فيها فلصاحب الأرض الرجوع وفي صاحب الغرس التفصيل الذي ذكرناه فإن رجعا معا فالحكم فيهما كما لو كان الغرس في أرض المفلس‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أفلس وعليه دين مؤجل‏]‏

وإن أفلس وعليه دين مؤجل لم يحل لأن التأجيل حق له فلم يبطل بفلسه كسائر حقوقه قال القاضي‏:‏ لا يحل رواية واحدة وقال أبو الخطاب‏:‏ فيه رواية أخرى أنه يحل لأن الفلس معنى يوجب تعلق الدين بماله فأسقط الأجل كالموت فإن قلنا‏:‏ لا يحل اختص أصحاب الديون الحالة بماله دونه لأنه لا يستحق استيفاء حقه قبل أجله وإن حل دينه قبل القسمة شاركهم لمساواته إياهم في استيفائه فأشبه من تجدد له دين بجناية المفلس عليه وإن أدرك بعض المال شاركهم فيه لذلك فإن كان المؤجل برهن خص به لأن حقه تعلق بعينه فإن وجد عين ماله فقال أحمد‏:‏ يكون موقوفا إلى أن يحل فيختار الفسخ أو الترك لأن حقه تعلق بالعين فقدم على غيره كالمرتهن فإن كان ماله سلما فأدرك عين ماله رجع فيها وإن لم يدركها وحل دينه قبل القسمة ضرب بالمسلم فيه وأخذ بقسطه من جنس حقه إن كان في المال وإلا اشترى به من جنس حقه ودفع إليه ولا يجوز أن يأخذ غير ما أسلم فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره‏]‏ رواه ابن ماجة وأبو داود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إن مات إنسان وعليه دين مؤجل‏]‏

فإن مات إنسان وعليه دين مؤجل ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يحل اختارها الخرقي لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏من ترك حقا فلورثته‏]‏ والتأجيل حق له فينتقل إلى ورثته لأنه لا يحل له ماله فلا يحل ما عليه كالجنون‏.‏

والثاني‏:‏ يحل لأن بقاءه ضرر على الميت لبقاء ذمته مرتهنة به وعلى الوارث لمنعه التصرف في التركة وعلى الغريم تأخير حقه وربما تلفت التركة وعلى كلتا الروايتين يتعلق الحق بالتركة كتعلق الأرش بالجاني ويمنع الوارث التصرف فيها إلا برضى الغريم أو توثيق الحق بضمين مليء أو رهن يفيء بالحق إن كان مؤجلا فإنهم قد يكونون أملياء فيؤدي تصرفهم إلى فوات الحق فإن تصرفوا قبل ذلك صح تصرفهم كتصرف السيد في الجاني ويلزمهم أقل الأمرين من قضاء الدين أو قيمة التركة لأنه لا يلزمهم أكثر من وفاء الدين ولا أكثر من التركة ولهذا لو كانت باقية لم يلزمهم أكثر من تسليمها وإن تلفت التركة قبل التصرف فيها والتوثيق منها سقط الحق كما لو تلف الجاني وإن قضى الورثة الدين من غير التركة أو منها جاز وإن أبى الجميع باع الحاكم من التركة ما يقضي به الدين وإن مات المفلس وعليه دين مؤجل فوثق الورثة للمؤجل اختص أصحاب الحالة بالتركة وإن أبوا ذلك حل دينه فشاركهم لئلا يفضي إلى إسقاط دينه بالكية‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا حجر على المفلس وهو ذو كسب يفيء بمؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته‏]‏

وإذا حجر على المفلس وهو ذو كسب يفي بمؤنته ومؤنة من تلزمه مؤنته فلذلك في كسبه لأن ماله لا يخرج فيما لا حاجة إلى إخراجه فيه وإن لم يف كسبه بمؤنته كملناها من ماله وإن لم يكن ذا كسب أنفق عليه وعلى من تلزمه مؤنته من ماله بالمعروف في مدة الحجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏ابدأ بنفسك ثم بمن تعول‏]‏ وفيمن يعوله من تكون نفقته دينا كالزوجة وإذا قدما نفقة نفسه على نفقة الزوجة وجب تقديمها على سائر الديون ولأن تجهيز الميت يقدم على دينه اتفاقا فنفقة الحي أولى لأن حرمته آكد من حرمة الميت ويقدم نفقة من تلزمه مؤنته من أقاربه لأنهم جروا مجراه وكذلك عتقوا عليه إذا ملكهم وكذلك نفقة زوجته لأنها آكد من نفقة أقاربه وتجب كسوتهم أيضا لأن ذلك مما لا بد منه ويكون ذلك من أدنى ما ينفق على مثلهم أو يكتسي مثلهم فإن كانت له ثياب هي أرفع من كسوة مثله بيعت واشتري لهم كسوة مثلهم ورد الفضل على الغرماء وإن مات منهم ميت كفن من ماله لأنه يجري مجرى كسوة الحي ويكفن في ثلاثة أثواب كغيره ويحتمل أن يكفن في ثوب واحد لأن الزائد فضل يستغنى عنه ولا تباع داره التي لا غناء له عن سكناها لأنه لا بد منه أشبه الكسوة فإن كانت واسعة يكفيه بعضها بيع الفاضل منها إن أمكن وإلا بيعت كلها واشتر له مسكن مثله وإن لم يكن له مسكن استؤجر له مسكن لأن ذلك مما لا بد منه ورد الفضل على الغرماء ولا باع خادمه الذي لا يستغني عن خدمته وإن كان مسكنه وخادمه وثيابه أعيان أموال الناس أفلس بها ووجدوها فلهم أخذها للخبر ولأن حقوقهم تعلقت بالعين فكانت أقوى من غيرها ويحتمل أن من لم يكن له مسكن ولا خادم فاستدان ما اشتراهما به وأفلس بذلك الدين أن يباع مسكنه وخادمه لأنهما بأموال الغرماء فتبقيتهما له إضرار بهم وفتح باب الحيلة للمفاليس في استدانة ما يشترون به ذلك فيبقى لهم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من قسَّم ماله بين غرمائه‏]‏

وإذا قسم ماله بين غرمائه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يزول الحجر عنه لأن المعنى الذي حجر عليه من أجله حفظ المال وقد زال ذلك فيزول الحجر لزوال سببه‏.‏

والثاني‏:‏ لا يزول إلا بفك الحاكم له لأنه حجر ثبت بالحاكم فلا يزول إلا به كالحجر على السفيه وإذا فك الحجر عنه فلزمته ديون ثم حجر عليه ثانيا شارك غرماء الحجر الأول غرماء الحجر الثاني إلا أن الأولين يضربون ببقية ديونهم والآخرون يضربون بجميع ديونهم‏.‏